في ظل مشهد سياسي معقّد لبنانيًا، تجري فيه اعادة خلط الاوراق تماشيًا مع تطورات المنطقة المتسارعة، يفتح الاسبوع الطالع أيّامه على جرح عين الحلوة النازف دماء وتوتيرًا، الذي شهد انتكاستين أمنيتين متلاحقتين في غضون اسبوع واحد، طرحتا اكثر من علامة استغراب واستفهام حول توقيتهما على باب الاستعداد لبدء حوار مع وكالة "الاونروا" لتنظيم الخلاف والاتفاق على كافة الحقوق الفلسطينية بعد قرارات تقليص خدماتها وآخرها الصحيّة.
في القراءة السياسية، فان الانتكاسة الامنية الثنائية وضعت القوى الفلسطينية الوطنيّة والاسلاميّة على المحكّ في حماية وتحصين أمن اكبر المخيمات الفلسطينية والجوار اللبناني، وسط تساؤلات ومنها: هل أطلقت "رصاصة الرحمة" على كل الجهود السياسيّة و"اتفاق الشرف" و"التهدئة" بين حركة "فتح" و"تجمع الشباب المسلم" ليعود الى سيرته الاولى في دوامة الاغتيالات والاقتتال؟ أم أنّ ما جرى نتيجة طبيعية لعجز القوى الفلسطينية عن الخروج من معادلة "الامن بالتراضي" لتحصين الامن والاستقرار جديًا؟ أم انها تتجاوز حدود المخيم الجغرافية ارتباطا بالتطورات السياسية الامنية في لبنان على ضوء مواقف بعض المسؤولين اللبنانيين من احتمال تأجيل الانتخابات البلدية في حال حصول اي احداث امنية او في المنطقة بالتسوية الجارية في سوريا، تزامنا مع الازمة المتصاعدة بين السعودية وايران؟
تساؤلات وثوابت
هذه التساؤلات دقت ناقوس الخطر لها مراجع لبنانية بارزة على صلة بالقوى الاسلاميّة الفلسطينية، اذ اعربت عن خشيتها من وجود خيوط وربط بما يجري في المخيم وصعوبة احتوائه او تكراره على الرغم من كل الجهود الى قرار خارجي يريد العبث بالامن والاستقرار تحت اي عنوان وعن طريق اي افراد او مجموعات او جهات، على قاعدة اذا كان هناك ترابط وقرار فان كل الجهود ستبوء بالفشل لتصل الى "الخيار المر" وهو "اخر الدواء الكي"، وهو ما زال مستبعدا الى الان خشية من فتنة كبيرة تؤدّي لتكرار مأساة نهر البارد.
الثابت وسط التساؤلات، ما اعربت عنه مصادر فلسطينية لـ"النشرة"، بان الوضع الامني في المخيم غير مطمئن، وسيبقى يترنح بين"الهدوء الهش" حينا و"التوتير القابل للانفجار" احيانا، على الرغم من الموقف الفلسطيني الموحد لحمايته، ذلك ان "المعالجات" لم ترقَ الى مستوى الحل الجذري، وتأتي بمثابة "ترقيع" وتمرير المرحلة بأقل الخسائر الممكنة في ظل غياب المحاسبة والمساءلة مع اعلان رفع الغطاء السياسي عن اي مخلّ مرتكب وقد عرف عدد منهم بالاسماء دون تسليمه او القاء القبض عليه.
كما ان الثابت وفق المصادر نفسها، ظهور أفراد بما يشبه "المجموعات الاسلامية" المتشددة باتت قادرة على التحكم بقرار المخيّم هدوءًا او توتيرًا، وهو ما سبب التأخر في احتواء الاشتباك الاخير بما جرى "التوسط" لديها بطريقة غير مباشرة للاستجابة للتهدئة، مقابل ضعف حركة "فتح" من جهة أخرى وعدم انضباط عناصرها وسهولة جرهم او استدراجهم الى أي اشكال دون ان يكون لديها قرار بالحسم العسكري، نتيجة المعركة المكلفة والاتصالات اللبنانية، التي تدعو دوما الى العضّ على الجراح وعدم فتح معركة كبيرة تؤثر على أمن مدينة صيدا وطريق العبور الى الجنوب وصولا الى الامن الوطني اللبناني بمجمله على ابواب الاستحقاق الانتخابي البلدي جنوبا والنيابي في جزين.
وبين التساؤلات والثوابت، يعود امن المخيم الى معادلة الامن بالتراضي" مجددا والى المربعات الامنية، واغلاق الاحياء والحارات على نفسها والفرز الطوعي وصولا الى مغادرة المنازل واستئجار اخرى بديلة، مع استبعاد خيار الحسم العسكري ضد هذه "المجموعات المتشددة"، اذ ستكون معركة مكلفة وقد تدخل المخيم في اتون فتنة لا تحمد عقباها نظرا للتداخل الجغرافي والحسابات السياسية.
وكشفت مصادر فلسطينية لـ "النشرة"، ان القوى الفلسطينية واجهت صعوبة بالغة في وقف اطلاق النار، كان موقفها موحدا، بالتنسيق مع القوى السياسية والامنية اللبنانية، ولكن التطبيق على ارض الميدان كان يصطدم بـ"تمرد" البعض وبعدم "التزام" البعض الاخر، وبعدم وجود "مرجعيّة" للبعض الثالث، فاعلن اتفاق وقف اطلاق النار للمرة الاولى، وسرعان ما خرق، ثم مرة ثانية وبعد اقل من ساعتين انهار مجددا، بينما كان في "الثالثة تابثة"، وبينهما كان الحراك الشعبي يحاول ان يفرض معادلته على الارض بالاجساد العارية، اذ قام اعضاء من المبادرة الشعبية بمسيرة رمزية مع القوة الامنية المشتركة في منطقة الاشتباك الممتدة من البركسات الى الصفصاف في الشارع الفوقاني فاطلق النار عليهم.
استياء وغضب
هذه الوقائع ارخت بظلال من الغضب والاستياء لدى ابناء المخيم، لجهة بقاء هواجسهم والخوف من الانفجار المفاجىء، يعيشون على اعصابهم، من يدفع التعويضات عن الخسائر المادية؟، شل الدورة الاقتصادية وكلها عوامل تساهم في البطالة واليأس وتاليا الهجرة وتفريغ المخيمات وصولا الى تصفية حق العودة وشطب القضية.
واقفلت الاشتباكات على قتيل فتحاوي يدعى حسين عثمان وعشرة جرحى هم ضابط في القوة الأمنية المشتركة الملازم محمود مروة والعسكري ابو شادي، عفيف عبدالرحيم، محمود خضر، عبد ميالي (ابو لؤي)، محمدالطويل، محمود مصطفى زيدان، سيراج شريدي والعنصر في الامن الوطني صبحي ابو حميد ورائف حوراني، اضافة الى أضرار مادية جسيمة خاصة في السيارات والمحال التجارية في منطقة الشارع الفوقاني، كما اقفلت على التساؤل الاهم: لقد انتهت جولة، فمتى ستبدأ الاخرى؟